غبار صهيون يذوق كذكرى، خليط من حجر الرمال ممزوج بالحزن. في كل أغسطس، كان إلياس ثورن يعود إلى سبرينغديل، إلى المنزل الذي كانت فيه أحذية شقيقته ما زالت تنتظر قرب الباب، على أمل أن تعود لتمر من خلاله. كانت لارا ثورن، البالغة من العمر 24 عامًا، وصديقها ليام هيملوك، البالغ من العمر 26 عامًا، قد قررا استكشاف “الأنفاق” في وادي صهيون، وهو مضيق ضيق محفور بواسطة نهر نورث كريك، واثقين من مهاراتهم في التسلق، لكن صهيون لا تأبه بالخبرة. كان مصيرهم في يد الطبيعة التي لا ترحم.

في شهر أغسطس من عام 2016، قرر الشابان، اللذان كانا من عشاق المغامرة والتسلق، أن يستكشفا واحدة من أكثر الأماكن شهرة في الولايات المتحدة: وادي صهيون في ولاية يوتا. كانت لارا، البالغة من العمر 24 عامًا، قد تأقلمت تمامًا مع التضاريس الوعرة، وكانت متمرسة في التسلّق والمشي في الأماكن الوعرة. أما ليام، الشاب الذي كان في السادسة والعشرين من عمره، فكان شريكًا مخلصًا في هذا النوع من المغامرات. ومع ذلك، كانت هناك تفاصيل صغيرة لم يتوقعوها. كانت تلك الزيارة إلى وادي صهيون ستكون أكثر من مجرد مغامرة عادية بالنسبة لهما؛ فقد كانت بداية تجربة مليئة بالتحديات التي قد لا تكون في الحسبان.

في يوم من الأيام، بينما كانا يتسلقان في مضيق “الأنفاق” المشهور، بدأت السماء بالتحول. كانت الأمطار تتساقط بغزارة، ولكن لحسن الحظ، كانا قد أخذوا احتياطاتهم. ومع ذلك، لم يكن أحد يستطيع أن يتوقع أن في ذلك اليوم سيواجهان ظاهرة طبيعية غير قابلة للتحكم. فقد جاء الفيضانات المفاجئة، وهي ظاهرة تحدث بشكل مفاجئ في هذه المنطقة، ليتمكن من تحريك الصخور الضخمة عبر وادي صهيون، ما أدى إلى انقطاع الطريق أمامهم. كانوا قد تسلقوا بالفعل عدة أميال، لكن كل شيء تغير في لحظة واحدة. بين الصخور المنهارة، ومياه الفيضانات المتدفقة، لم يكن لديهم سوى القليل من الخيارات.

بعد عدة ساعات، توقفت الأمطار، لكن الخطر كان لا يزال يحيط بهما. كانت تلك اللحظات الحرجة هي ما بين الحياة والموت. كانوا في مكانٍ بعيد عن أي مساعدة، وكان كل ما يمكنهم فعله هو محاولة النجاة. لكن في النهاية، جرفتهم المياه بعيدًا عن المسار الصحيح، حيث لم يعد هناك سبيل للهروب. في اليومين التاليين، تم الإبلاغ عن اختفائهما، ليبدأ البحث المكثف عنهم. لكن على الرغم من كل الجهود المبذولة، لم يتم العثور عليهما إلا بعد أربع سنوات.
في تلك الفترة التي امتدت لأربع سنوات، كان إلياس، شقيق لارا، يعيش في حالة من القلق المستمر. على الرغم من إغلاق التحقيقات رسميًا وإعلان اختفاء شقيقته وصديقها على أنهما قضيا في تلك المغامرة، إلا أن إلياس لم يتمكن من قبول فكرة أنهما قد اختفيا إلى الأبد. في كل صيف، كان يعود إلى سبرينغديل، حيث كان يتخيل أن لارا قد تعود، ربما حاملة ذكرى تلك الرحلة المأساوية. لكن لارا، مثل العديد من الأشخاص الذين ذهبوا في مغامرات مماثلة، لم تكن مجرد ضحية لفيضانات صهيون؛ بل كانت ضحية للطبيعة نفسها، التي لا يرحمها أحد.
في الخريف الماضي، بينما كان مجموعة من المتسلقين في طريقهم إلى المنطقة المعروفة باسم “الأنفاق”، اكتشفوا بقايا الهيكل العظمي لكل من لارا وليام. كانوا قد اختفوا تمامًا عن الأنظار، تاركين وراءهم آثارًا ضئيلة من حياتهم. كان الهيكل العظمي يتناثر خلف صخرة ضخمة في المكان الذي عُثر عليهما فيه، حيث كانت جثتيهما قد تعرضتا للتلف بسبب التعرض المفرط للمياه الحارة والشمس. يبدو أن البرد القارس والجفاف قد أثرا على أجسادهم، مما جعل من المستحيل على أي شخص أن يتعرف عليهما في البداية.
كانت الشرطة قد أغلقت القضية، معتبرة أن الوفاة ناتجة عن التعرض للمخاطر الطبيعية التي لا يمكن التنبؤ بها. ولكن إلياس، الذي كان يعتقد دائمًا أن هناك شيئًا ما ناقصًا في هذا التحقيق، لم يشعر بأن هناك إغلاقًا حقيقيًا لهذه الحادثة. كان يقف في مكان حيث تم العثور على شقيقته، حيث كانت الذاكرة المؤلمة تسكن الصخور التي ربما كانت هي أيضًا شاهدة على اللحظات الأخيرة من حياة لارا ووليام. في النهاية، بقيت الحقيقة الوحيدة هي تلك الحافة الحادة التي تركتها الطبيعة في ذاكرة إلياس، وهو يتأمل مشهدًا حزينًا ومؤلمًا.
في الأيام التي تلت العثور على جثثهم، اكتشف العديد من أفراد المجتمع المحلي والعاملين في الوادي أن لارا وليام لم يكونا مجرد مغامرين عاديين، بل كانا من المحبين للطبيعة، يقدران كل جانب من جوانب الحياة البرية. ومع ذلك، كانت مغامرتهما في صهيون بمثابة تذكير قاسي بأن الطبيعة هي التي تفرض قوانينها، وأن الإنسان مهما كان متمرسًا في تسلق الجبال واستكشاف الكهوف، يبقى في النهاية تحت رحمة قوى أكبر.
قصة لارا وليام هي حكاية مأساوية عن فقدان الحياة في مكان قد يبدو مثاليًا للمغامرة، لكنه يخفي خلفه الكثير من المخاطر التي لا يستطيع أحد التنبؤ بها. صهيون ليست مجرد وجهة سياحية شهيرة، بل هي أيضًا رمز للوحشية الكامنة في الطبيعة. في النهاية، قد تكون مغامرة لارا وليام مجرد جزء صغير من التاريخ الكبير لوادي صهيون، لكن فقدانهما سيظل حياً في ذاكرة أولئك الذين تأثروا بقصتهما.