في السادس من نوفمبر 2025، يعود إطار فيديو متوقف إلى تفجير الإنترنت مرة أخرى. يظهر فيه شابة تُصدر وجه “الكرينج” الشهير: عيون نصف مغمضة، أنف مجعد، شفاه بارزة إلى الأمام. ترتدي فستانًا أخضر فاتحًا مزهرًا، وتشرق الشمس خلف رأسها كأنها هالة مقدسة. أيقونة الإيقاف المؤقت (‖) وأزرار تخطي 10 ثوانٍ تثبت أنه لقطة شاشة من مقطع تيك توك قديم يعود إلى خمس سنوات. هذا الفيديو القديم هو السبب في طرد صاحبته من المنصة إلى الأبد.

نُشر المقطع في صيف 2020. كانت التيكتوكر – جندية سابقة في البحرية الأمريكية – تقرب الكاميرا من وجهها وتهز رأسها على إيقاع صوت تريندي، ردًا على رقصة محرجة لمستخدم آخر. خلال 48 ساعة فقط، حقق 200 مليون مشاهدة. أصبح الفستان الأخضر علامتها التجارية. ارتدته في عشرات الفيديوهات المشابهة، وأحب المتابعون حركة “الاهتزاز المنومة” لرأسها. دفعت العلامات التجارية لها، ووقّعت شركات التسجيلات معها، وانتقلت من الصفر إلى 50 مليون متابع في أشهر معدودة.

ثم بدأت الكراهية. ظهرت صور قديمة تكشف وشمًا صغيرًا على ذراعها: تصميم شمس مشرقة مرتبط بعلم اليابان في الحرب العالمية الثانية. اعتبره كثير من المستخدمين الآسيويين مسيئًا. غطّت الوشم واعتذرت، لكن الضرر كان قد وقع. ترندت هاشتاجات المقاطعة لأسابيع.
في 2022، شاركت قصة أكثر قتامة. قالت إن طفولتها مليئة بالإيذاء – من والدها البيولوجي في الفلبين ووالدها التبني في أمريكا. أُجبرت على النوم في حظيرة وتنظيف فضلات الحيوانات. أكدت أن تيك توك كان علاجها النفسي. أرسل بعض المعجبين الحب، واتهمها آخرون باختلاق القصة لإنقاذ مسيرتها الموسيقية.
جاءت الضربة القاضية الشهر الماضي. تسربت رسائل تُظهر أنها طلبت من أصدقائها الإبلاغ الجماعي عن أي شخص يسخر من فيديوهاتها. تم حظر آلاف الحسابات في الظل. أزالت تيك توك شارة التحقق منها وقصّت وصولها بنسبة 90%. تقول المصادر إن الحظر الكامل قادم لا محالة.
الآن، أصبح الفستان الأخضر ميمًا عالميًا. يبيع الناس نسخ “الكرينج الكلاسيكي” بـ300 دولار. يُعدّل وجهها على كوارث وملصقات أفلام. صوت فيروسي واحد يضيف صفارات الإنذار الجوي إلى اهتزاز رأسها.

يسمي الخبراء الظاهرة “الانتقام الباراسوشيالي”. بنى المعجبون صورتها كـ”الفتاة اللطيفة المجاورة”. لحظة ظهور عيوبها – الوشم، ادعاءات الصدمة، تحركات السلطة – دمروها بضعف السرعة التي رفعوها بها. سيرتها الذاتية الآن تقول فقط: “ما زلت أكرنج”. الفستان ما زال معلقًا في خزانتها. وخالقة جديدة بفستان وردي مزهر بدأت تقليد الحركة بالفعل.
تعود جذور القصة إلى صيف 2020، عندما كانت التيكتوكر – دعنا نسميها “إيما” لأغراض الخصوصية – لا تزال جندية سابقة تبحث عن هواية. اكتشفت صوتًا ترينديًا يدعو لردود فعل محرجة، فصوّرت نفسها تهز رأسها ببطء أمام الكاميرا. كان الفستان الأخضر الفاتح اختيارًا عفويًا من خزانتها، لكنه أصبح أيقونة. تكررت الحركة في عشرات الفيديوهات، كل واحدة تحصد ملايين المشاهدات. أطلق المعجبون عليها لقب “ملكة الكرينج”، وتحولت إلى ظاهرة ثقافية.
مع الشهرة جاءت العروض. دفعت ماركات الموضة لارتداء الفستان، ووقّعت شركات تسجيلات لإصدار أغانٍ مستوحاة من حركتها. في غضون أشهر، أصبحت واحدة من أكثر الخالقين نموًا على المنصة. لكن الشهرة لها ثمن. بدأت التعليقات السلبية تتسلل، ثم انفجرت قضية الوشم.
التصميم البسيط – دائرة حمراء مع أشعة – يُعتبر في كوريا الجنوبية والصين رمزًا للإمبراطورية اليابانية خلال الحرب. رغم أن إيما قالت إنها اختارته لأسباب فنية، إلا أن الغضب الآسيوي كان فوريًا. ترندت هاشتاجات مثل #CancelGreenDressCringe، وانخفضت متابعتها بملايين. غطّت الوشم بمكياج دائم ونشرت فيديو اعتذار طويل، لكن الضرر كان قد وقع.
في محاولة لاستعادة التعاطف، شاركت إيما قصة طفولتها في 2022. وصفت سنوات الإيذاء في الفلبين، ثم التبني في أمريكا حيث أُجبرت على العمل في مزرعة. قالت إن تيك توك أنقذها من الاكتئاب. انقسم الجمهور: بعضهم أرسل دعمًا ماليًا، وآخرون اتهموها بالكذب لتعزيز مبيعات ألبومها الجديد.
النهاية جاءت عندما تسربت دردشات خاصة. طلبت إيما من أصدقائها تنظيم حملات إبلاغ جماعي ضد المتصيدين. تم حظر آلاف الحسابات دون سابق إنذار، مما أثار غضب مجتمع تيك توك. ردت المنصة بسرعة: إزالة التحقق، تقليص الوصول، وأخيرًا الحظر الدائم.
اليوم، يُباع الفستان الأخضر في مواقع مثل Etsy كنسخة “كلاسيكية” بأسعار تصل إلى 300 دولار. يستخدم المستخدمون وجه إيما في ميمات تتراوح بين الكوارث الطبيعية وملصقات أفلام الرعب. صوت فيروسي يضيف صفارات إنذار إلى حركة رأسها، محولاً إياها إلى رمز للسقوط السريع.
يحلل علماء النفس الاجتماعي الظاهرة كـ”انتقام باراسوشيالي”. يبني المعجبون علاقة وهمية مع الخالق، ثم يدمرونه عند أول عيب. في حالة إيما، كانت العيوب ثلاثة: رمز تاريخي مسيء، قصة صدمة مشكوك فيها، وإساءة استخدام السلطة. كل واحدة كافية لإسقاط نجم، مجتمعة دمرت إمبراطورية.
مع ذلك، الحياة تستمر على تيك توك. خالقة جديدة بفستان وردي مزهر بدأت تهز رأسها بنفس الإيقاع. الدورة تعيد نفسها، لكن الدرس واضح: في عالم الشهرة الرقمية، الفستان الأخضر قد يصبح قبرًا أو تاجًا، حسب اللحظة.
تبقى إيما في منزلها، الفستان معلق في الخزانة، السيرة الذاتية تقول “ما زلت أكرينج”. ربما تعود يومًا باسم جديد، أو ربما تبقى درسًا في هشاشة الشهرة. في تيك توك، الذاكرة قصيرة، لكن الميمات أبدية.