ييفروسينيا سافيليفنا زينكوفا (1923-1984) كانت إحدى الشخصيات البارزة في تاريخ المقاومة السوفيتية ضد الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية. وُلدت في 22 سبتمبر 1923 في قرية أوشالي قرب مدينة أورشا في جمهورية بيلاروسيا الاشتراكية السوفيتية، في عائلة من الفلاحين. نشأت ييفروسينيا في بيئة ريفية فقيرة حيث كان والديها، سافيلي ومارفا، فلاحين غير متعلمين. ورغم الظروف الصعبة، كان والدها ووالدتها يعطون أهمية كبيرة للتعليم، مما مكن ييفروسينيا من أن تتفوق في دراستها في المدارس المحلية، وتزرع فيها قيمًا أساسية مثل العمل الجاد والمسؤولية الجماعية.

بعد إتمام دراستها الثانوية، التحقت ييفروسينيا بمدرسة مهنية لتعلم فن الخياطة، حيث عملت في مصنع للملابس. ومع تقدمها في تعلم مهنتها، تمكنت من الالتحاق بمدرسة فنية متخصصة في صناعة الملابس، ولكن دراستها توقفت بسبب الحرب العالمية الثانية التي بدأت في عام 1941، عندما غزا الألمان الاتحاد السوفيتي في إطار “عملية بربروسا”. وتغيرت حياة ييفروسينيا بشكل جذري مع الهجوم النازي، حيث تحول مجتمعها إلى ساحة حرب دموية.
كان الهجوم الألماني على بيلاروسيا بداية لمعانات شديدة. كانت قرية أوشالي وأماكن أخرى في بيلاروسيا تحت الاحتلال النازي، وشهدت المذابح الجماعية وتدمير القرى، مما جعل الحياة اليومية صعبة ومليئة بالمعاناة. في هذا السياق المروع، ومع تدهور الوضع، بدأت ييفروسينيا تشعر بالحاجة الملحة للقيام بشيء لمقاومة المحتلين. في عام 1942، انضمت ييفروسينيا إلى مجموعة “الشباب المنتقمين”، وهي منظمة سرية تابعة لمنظمة كومسومول الشيوعية. كانت هذه المجموعة تعمل ضد الاحتلال النازي، وأصبحت واحدة من أبرز مجموعات المقاومة في المنطقة.
كان “الشباب المنتقمين” يتألف من حوالي 15 مراهقًا، وكان يقوده أرشادي بارباشوف، البالغ من العمر 19 عامًا. عملت المجموعة على تنفيذ عمليات تخريبية، مثل تدمير القطارات وقطع خطوط الاتصال، بالإضافة إلى نصب الكمائن للجنود الألمان. كانت ييفروسينيا، على الرغم من صغر سنها، تتمتع بقدرة على التنسيق والتخطيط، حيث شغلت دور السكرتيرة في المجموعة. قامت بتنسيق الأنشطة الاستخباراتية، ووضعت خططًا لعمليات التخريب، وكان دورها في توزيع المنشورات السرية التي تحث على المقاومة فعالًا جدًا. كما استخدمت مهاراتها في الخياطة لصنع الملابس والكمائن المتفجرة التي ساعدت في تنفيذ الهجمات.
كانت المجموعة أكثر من مجرد مجموعة صغيرة من المراهقين، فقد شملت شبابًا من مختلف الأعمار الذين كانوا يسعون إلى الدفاع عن وطنهم من الاحتلال النازي. كانت ييفروسينيا تساهم بشكل رئيسي في تنفيذ الهجمات على القوافل الألمانية، وكان لها دور أساسي في قتل أكثر من 100 جندي ألماني. كما ساعدت في تعطيل خطوط الإمداد الألمانية، وهو ما كان له تأثير كبير في دعم تقدم الجيش الأحمر السوفيتي.

لكن كما هو الحال في العديد من قصص المقاومة، لم يكن النجاح دائمًا. في نهاية عام 1943، تم خيانة المجموعة من قبل أحد أعضائها، مما أدى إلى مداهمات واعتقالات واسعة. تم إعدام أرشادي بارباشوف وأعضاء آخرين في المجموعة. لكن ييفروسينيا كانت محظوظة بما يكفي لتنجو، لأنها كانت في ذلك الوقت في بولوتسك لتوصيل رسائل للمجموعة. على الرغم من الخيانة، لم تستسلم ييفروسينيا، بل هربت إلى المنطقة التي كانت تحت سيطرة الجيش الأحمر، حيث انضمت إلى “فرقة لينين الحزبية” واستمرت في مقاومة الاحتلال حتى تحرير المنطقة في عام 1944.
لكن رغم نجاحها في النجاة، كانت الخسائر الشخصية كبيرة. حيث قامت القوات النازية باعتقال وإعدام والدتها، مارفا، كعقاب جماعي. كانت هذه الحيلة النازية ردًا على فشلهم في القبض على ييفروسينيا. لكن ييفروسينيا لم تتوقف عن القتال رغم هذه المصاعب، وظلت تشارك في العمليات العسكرية ضد الاحتلال النازي.
في 24 مارس 1944، تم تكريم ييفروسينيا سافيليفنا زينكوفا بوسام “بطل الاتحاد السوفيتي”، لتصبح واحدة من أصغر الشخصيات التي تحصل على هذا اللقب في سن العشرين. كما حصلت على “وسام الحرب الوطنية”. كان هذا التكريم يعكس شجاعتها الكبيرة ومساهمتها في كفاح السوفييت ضد الاحتلال النازي. بعد الحرب، عادت ييفروسينيا إلى الحياة المدنية، وتكريس نفسها للعمل الاجتماعي والسياسي. أنشأت عائلة، واهتمت بثلاثة أطفال يتامى، وظلت نشطة في الحزب الشيوعي السوفيتي بعد الحرب، حيث عملت كموجهة لمنظمة الكومسومول.
في عام 1967، تولت ييفروسينيا وظيفة في مركز تجنيد المدينة. وأمضت سنواتها الأخيرة في العمل على توعية الجيل الجديد بما حدث في الحرب، مع التركيز على تجاربها الشخصية ومشاركة القصص البطولية للمجموعة التي انتمت إليها. توفيت ييفروسينيا في 19 أبريل 1984 في أورشا، ولكن إرثها لا يزال حيًا من خلال العديد من النصب التذكارية في أماكن مختلفة، بما في ذلك لوحة تذكارية في مكان ولادتها.

يعتبر إرث ييفروسينيا سافيليفنا زينكوفا مثالًا حقيقيًا على مقاومة الشباب في أصعب الأوقات، وكيف استطاع جيل بأكمله أن يقاوم العدو القوي باستخدام شجاعة وتضحية لا مثيل لهما. لا تقتصر قصتها على الشجاعة في الحرب، بل تسلط الضوء أيضًا على المعاناة الشخصية والتضحيات التي قدمتها في سبيل الحرية والوطن.
في أواخر عام 1943، تعرضت المجموعة للخيانة عندما تم الإبلاغ عنهم من قبل أحد أعضائها. حدثت مداهمات جماعية، حيث تم إعدام بارباشوف وعدد من أعضاء المجموعة الآخرين. نجا ييفروسينيا لأنها كانت في بولوتسك تنقل الرسائل. وعلى الرغم من الخيانة والاعتقالات، استطاعت الهروب والانضمام إلى الفرقة الحزبية الحمراء “فرقة لينين”، حيث استمرت في مقاومة الاحتلال حتى تحرير المنطقة في 1944.
بعدما فشلت القوات النازية في العثور على ييفروسينيا، انتقمت بإعدام والدتها، مارفا، كعقاب جماعي وهو أسلوب كان شائعًا في تلك الفترة. على الرغم من فقدان والدتها، استمرت ييفروسينيا في الكفاح.