عالم السيارات على أعتاب ثورة تاريخية، وتويوتا تضع نفسها في قلب هذا التحول بإطلاقها محركًا يعمل بالماء والهيدروجين المُولّد بالتحليل الكهربائي. هذه التقنية التي لا تصدر سوى البخار، والتي تُلغي تمامًا الحاجة إلى الليثيوم ومحطات الشحن، تُبشّر بإعادة تعريف مستقبل التنقل المستدام. بهذه الخطوة الجريئة، لا تُنافس تويوتا السيارات الكهربائية فحسب، بل تُعلن صراحةً نهاية عصر البطاريات، مُطلقةً بذلك نقاشًا عالميًا حول ما يحمله الغد لاحتياطيات صناعة السيارات.
من بين المزايا الرئيسية لهذا الابتكار، تبرز عدة جوانب ثورية. أولًا، يُقلل غياب البطاريات من النفايات المرتبطة باستخراج الليثيوم، وهي عملية أثارت مخاوف بيئية متزايدة. علاوة على ذلك، لا تستغرق عملية تجديد الوقود سوى ثلاث دقائق، أي أقل بكثير من الساعات اللازمة لشحن سيارة كهربائية. لكن القوة الحقيقية تكمن في الوقود نفسه: فالوقود الإلكتروني المتجدد والوافر يوفر إمكانات غير محدودة، مُعلنًا بذلك نهايةً نهائية للوقود الأحفوري. في هذا السياق، بدأت دول شمال أوروبا بالفعل في التحرك، من خلال إنشاء محطات تزويد سريعة بالوقود، مما قد يُسرّع هذا التحول.
تويوتا ليست غريبة على التحديات الطموحة، وقد يعتمد نجاحها، حيث فشل الآخرون، على عدة عوامل مميزة. فعلى عكس محاولات سابقة مثل جين باكس عام ٢٠٠٨ أو ستانلي ماير في ثمانينيات القرن الماضي، والتي ثبت فشلها أو حتى عمليات احتيال مرتبطة بوعود “الطاقة المجانية”، تتمتع تويوتا بمصداقية راسخة. وبصفتها أكبر شركة مصنعة عالمية، فقد اكتسبت خبرة راسخة في مجال الهيدروجين بفضل طراز ميراي، الذي طُرح عام ٢٠١٤. تعتمد هذه التقنية على التحليل الكهربائي المتقدم، مدعومًا بعلم حقيقي، كما أن سمعتها التجارية الهائلة تجعل من غير المرجح أن تُثير الشركة اليابانية العملاقة عمليات احتيال ضخمة، مما يميزها بوضوح عن مشاريع المضاربة السابقة.
الطريق إلى الواقع ممهد بالفعل. أعلنت تويوتا عن خطط لبدء اختبار المركبات التجارية بحلول عام ٢٠٢٧، مع نية طرح نماذج للجمهور بحلول عام ٢٠٣٠. إذا تحققت هذه الأهداف، فقد يمثل هذا الابتكار نقطة تحول في مجال الطاقة النظيفة، إذ سيُعيد تصميم ليس فقط قطاع السيارات، بل أيضًا سياسات الطاقة العالمية. يكمن مفتاح النجاح في القدرة على تحويل هذه الرؤية إلى منتج موثوق وبأسعار معقولة، وهي خطوة تبدو تويوتا عازمة على اتخاذها بنهجها الدقيق.
مع ذلك، ثمة شكوك كثيرة. يتساءل الكثيرون عما إذا كان هذا مستقبلًا ملموسًا أم وهمًا يغذيه الحماس. ويشير المنتقدون إلى تحديات لوجستية، مثل الحاجة إلى بنية تحتية لإنتاج الهيدروجين وتوزيعه، والتكاليف الأولية المرتفعة للتحليل الكهربائي. ومع ذلك، فإن الطراز السابق من ميراي، الذي بيع منه أكثر من 20 ألف وحدة منذ طرحه لأول مرة، يُظهر قدرة تويوتا على تجاوز عقبات مماثلة. إن الطلب على بديل مستدام للسيارات الكهربائية، التي تعتمد على مواد نادرة وسلاسل توريد هشة، قد يدفع هذه التقنية نحو التبني الشامل.
ينصب الاهتمام العالمي الآن على تويوتا، التي تتحدى بهذه الخطوة ليس فقط منافسيها، بل أيضًا أعراف الصناعة. إذا أصبح محرك الهيدروجين واقعًا تجاريًا، فقد يُبشر بعصر جديد، حيث يحل الماء محل الوقود الأحفوري والبطاريات. يراقب المستهلكون والمستثمرون والحكومات باهتمام، بينما يراهن العملاق الياباني على المستقبل. فهل سيكون هذا الابتكار هو الذي يُغير مشهد السيارات الكهربائية إلى الأبد؟ وحده الزمن كفيل بإثبات ذلك، لكن المؤكد هو أن تويوتا قد أشعلت شرارةً لا يمكن للعالم تجاهلها.