تظهر صورة مذهلة 27 فردًا مبتسمين يقفون أمام كنيسة بيضاء اللون في منطقة نائية، وكلهم مرتبطون بروابط دم وثيقة. وفقًا لعلماء الأنساب، ينحدر هؤلاء الأشخاص جميعًا من زوجين تزوجا في عام 1841. لكن ما يجعل هذه القصة أكثر إثارة للقلق هو النمط المقلق للتزاوج الداخلي الذي استمر لعشرة أجيال كاملة. بين عامي 1841 و1973، لم تتفرع شجرة العائلة كما يحدث عادةً في المجتمعات البشرية؛ بل انطوت على نفسها بشكل متزايد، مع زيجات متكررة بين أبناء العمومة من الدرجة الأولى والثانية. هذا الخط الوراثي المتشابك أدى إلى تراكم خطير في الجينات المتنحة، مما يتحدى كل ما نعرفه عن بيولوجيا الإنسان. هذه ليست قصة خيالية عن ملوك مصر القدماء، بل واقع قاسٍ من وديان أبالاتشيا المعزولة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نجح الأطفال في البقاء على قيد الحياة رغم التنبؤات الوراثية التي تقول إنهم لا يجب أن يفعلوا ذلك.
تبدأ القصة مع صموئيل وماري آن، أبناء عمومة من الدرجة الثانية، اللذين تزوجا في عام 1841 في وادٍ بعيد يبعد يومين سيرًا على الأقدام عن أقرب مدينة. في تلك المناطق النائية، كان زواج الأقارب أمرًا شائعًا بسبب العزلة الجغرافية والاجتماعية. أنجب الزوجان تسعة أطفال، نجا منهم ستة بعد سن الخامسة. من هؤلاء الستة، تزوج أربعة داخل الأسرة نفسها، مما أنشأ شبكة معقدة من العلاقات الوراثية. بحلول عام 1870، بلغ عدد البالغين في الجيل الثاني 12 شخصًا، وتزوج ثمانية منهم أقارب دم. أما الآخرون، فظلوا غير متزوجين، يعيشون مع آبائهم حتى وفاتهم في سن متأخرة، دون أن ينجبوا أطفالًا، محافظين على عزلتهم الشديدة. بدأت الهمسات تنتشر حول أسرار مظلمة، لكن العالم الخارجي بقي في الظلام.
مع مرور الزمن، بدأت علامات الاضطراب الجيني تظهر في الجيل الثالث بحلول عام 1890. لم تكن هذه العلامات واضحة للوهلة الأولى، لكنها كانت مثيرة للقلق: ارتفاع معدلات الإجهاض والولادات الميتة، بالإضافة إلى تأخر في النمو. وُلد أحد الأولاد بستة أصابع في يده اليسرى، بينما عانت فتاة من صعوبة في التتبع البصري البسيط. وثّق الطبيب المحلي هذه الحالات الشاذة خلال زياراته السنوية، لكنه اختار الصمت لحماية خصوصية العائلة. في زواج الأقارب، يزداد احتمال ظهور الصفات الوراثية المتنحة بنسبة تصل إلى 25% في الدرجة الأولى، ومع تكرارها عبر الأجيال، يصبح الضرر تراكميًا، مما يخلق قنبلة موقوتة من المشكلات الصحية مثل التشوهات الخلقية والأمراض الوراثية.
بحلول عام 1900، وُلد الجيل الرابع، وتصاعدت الهمسات إلى صرخات قلق. من بين 17 طفلًا، نجا 11 فقط من مرحلة الطفولة، وأصيب تسعة منهم بمشكلات صحية خطيرة. وُلد يعقوب أصمًا تمامًا، أما أخته فأصيبت بحالة نادرة تمنع نمو الشعر على الجسم. استمر الجيل الرابع في زواج الأقارب، مما عمّق التشابك الجيني. في عام 1910، تزوج ثمانية من الأحد عشر الناجين، مع زيجات عديدة بين أبناء عمومة درجة أولى وثانية. منع العار والعزلة العائلة من طلب المساعدة، فهم لم يفهموا تمامًا عواقب أفعالهم. بحلول عام 1920، بدأ الأطفال يولدون بحالات غريبة تتحدى التفسير العلمي: فتاة ذات جلد شفاف يظهر من خلاله الأوردة، وصبي يعاني من هشاشة العظام الشديدة. وُلد طفل بدون مخيخ مكتمل، محتجزًا مدى الحياة بسبب إعاقته. رد العائلة كان الاستمرار في الزواج داخليًا، متجاهلين قائمة التشوهات المتزايدة.
في الجيلين السادس والسابع، أصبحت الإخفاقات الجينية متداخلة بشكل لا يُحصى: تشوهات وجهية، ضعف إدراكي، وأمراض مناعية. بحلول منتصف السبعينيات، لاحظ العالم الخارجي الأمر عندما حاول بعض الأطفال الالتحاق بالمدرسة. وصف معلمة تدعى ليندا موريسون حالة فتاة اسمها سارة، التي تعاني تأخرًا شديدًا في النمو وتشوهات جسدية واضحة. دفع ذلك مسؤولي الصحة في المقاطعة إلى التدخل، مكتشفين مزرعة مليئة بأطفال يحملون علامات زواج الأقارب المتكرر: عيون متباعدة، رؤوس كبيرة، وصعوبات في الكلام. كشفت التحقيقات عن عزلة الأسرة الشديدة وإهمالها الصحي.
رغم النتائج المرعبة، قاومت العائلة تدخل الدولة بشراسة. زعم محامٍ محلي أن الأمر يتعلق بخصوصية الأسرة، وفي عام 1977، أغلق القاضي القضية، مما سمح لهم بالاستمرار في سريتهم. أدى ذلك إلى مزيد من العزلة؛ انتقلت بعض العائلات إلى مناطق أبعد، بينما انسحبت أخرى إلى أعماق الوديان. الجيل العاشر، المولود بين 1985 و2005، غير موثق رسميًا؛ لا سجلات طبية أو مدرسية، فقط همسات من أقارب بعيدين. تتردد شائعات عن ولادة طفل في 2015، لكن بدون وثائق، تبقى الحقيقة غامضة.
هذه القصة من أبالاتشيا تذكير مرعب بمخاطر زواج الأقارب المتكرر. علم الوراثة يتنبأ بزيادة الاضطرابات بنسبة 3-4% لكل جيل من التزاوج الداخلي، لكن هؤلاء نجوا، ربما بسبب “التطهير الطبيعي” حيث يموت الأضعف مبكرًا، محافظين على جينات أقوى نسبيًا. ومع ذلك، الإرث باقٍ: معاناة مستمرة تتحدى فهمنا للبيولوجيا البشرية. إرث صموئيل وماري آن يطارد الوديان الفارغة اليوم، حيث تلتقي العزلة بالعار والسرية. السؤال المقلق: ماذا عن الجيل القادم؟ طالما استمرت هذه الدورة، ستظهر قصص مشابهة، مخفية لكنها حقيقية ومؤلمة. في عالم يتقدم علميًا، تبقى هذه الظلال تذكيرًا بضعف الجينوم البشري أمام التقاليد الخاطئة.