أشرق النهار دافئًا في كامبيناس، وعبق الهواء برائحة الزهور النضرة التي تزيّن أركان الكنيسة. كان يوم سبتٍ انتظرته شهور: يوم زفاف ماريانا ألفيس، المعلمة البالغة من العمر 26 عامًا، والمحبوبة من قِبل جميع سكان الحي. مرتدية فستانًا أبيض من الدانتيل براقًا، قضت الصباح تضحك مع صديقاتها وتبعث برسائل متوترة إلى خطيبها رافائيل. التقطت الصور الملتقطة ذلك اليوم امرأةً متألقة، مقتنعة بأن السعادة على بُعد ساعات قليلة.

كانت العائلة والضيوف والموسيقيون مستعدين. دقت الساعة وازداد الحماس. لكن العروس لم تصل.
في البداية، ظنّ الكثيرون أن التأخير طبيعي. قال البعض: “لا بدّ أنها تأخرت في وضع مكياجها”. بينما أكّد آخرون أنها ربما كانت لديها شكوك في اللحظات الأخيرة. ومع مرور الساعات، تحوّل التوتر إلى ألم. اتصل رافائيل، اليائس، بهاتفها مرارًا وتكرارًا، دون رد. لم يكن أحد يعلم ماذا يقول عندما كان المذبح فارغًا، وساد صمتٌ مؤلمٌ حفل الزفاف.
أُبلغت الشرطة، وتلا ذلك بحثٌ استمر لأسابيع. فُتشت الطرق السريعة والمستشفيات وحتى البحيرات القريبة. لم يُعثر على أثر لماريانا. أصبح الفستان الأبيض، رمز النقاء والأمل، شبحًا يُطارد الجميع. سرعان ما انتشرت الشائعات في المدينة: قال البعض إنها هربت مع رجل آخر، بينما زعم آخرون أنها لا تتحمل ضغط الزواج. تشبثت العائلة الممزقة بفكرة أن ماريانا لم تغادر دون وداع.
مرت السنوات، وتجمدت القضية. غرق رافائيل في الحزن، عاجزًا عن إعادة بناء حياته. أما والدا ماريانا، اللذان كبر عمرهما بسبب الانتظار، فكانا يضعان الزهور في الكنيسة في كل ذكرى سنوية، كما لو كانا لا يزالان يعتقدان أن ابنتهما ستدخل من الباب بفستانها الأبيض.
لكن بعد ثلاثة عشر عامًا، زعزع هدوء المدينة اكتشافٌ مروّع. كانت مجموعة من ضباط الشرطة البيئية تُجري دوريةً في غابة قريبة، تُحقق في تقارير عن قطع أشجار غير قانوني. حينها، بدأ أحد كلاب البوليس ينبح بجنون. تتبع الضباط الكلب إلى فسحةٍ حُرِقَت أرضها. بدأوا بالحفر باستخدام المجارف، وما ظهر أثلج صدور الجميع: بقايا جثةٍ بفستان زفاف، لا تزال واضحةً للعيان رغم مرور الزمن.
انتشرت الصورة في جميع أنحاء البلاد: فستان أبيض ملطخ بالتراب والزمن، محاط برجال الشرطة الذين حدّقوا به في ذهول. تم التعرّف على الجثة على أنها ماريانا ألفيس. على الفور، عادت أسئلةٌ دفنت لأكثر من عقدٍ من الزمان بقوةٍ متجددة: ما الذي حدث حقًا في ذلك اليوم؟ من قتل امرأةً على وشك الزواج؟
كشف التحقيق المُعاد فتحه عن تفاصيل مُقلقة. كان الفستان سليمًا، مما يُشير إلى اختفاء ماريانا استعدادًا لحفل زفافها. وُجدت بالقرب من الجثة بقايا شرائط وشريط أزرق، كما لو أن أحدهم ربطها. لم تكن هناك أي آثار سرقة، ودفن جثتها في مكان سري كهذا يُشير إلى عمل مُدبّر.
بدأت الشرطة بمراجعة الشهادات القديمة. استُجوب خطيبها رافائيل مجددًا. كان ألمه واضحًا، وكذلك غضبه: لسنوات، كان يشك في أن ماريانا قد تخلت عنه. الآن، أكدت الحقيقة أنها لم تهرب، بل كانت ضحية جريمة.
ثم تذكر الجيران أمرًا غريبًا: في يوم الزفاف، رأى بعضهم سيارةً داكنة اللون تحلق قرب منزل ماريانا. لم ينتبه أحدٌ حينها، لأن الجميع كان منشغلًا بالحفل. وذكر آخرون حبيبًا سابقًا غيورًا لم يتقبل الانفصال قط. وبدأت قائمة المشتبه بهم تطول.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق كان ما عُثر عليه في الغابة. لم يقتصر الأمر على جثة ماريانا فحسب، بل عُثر على متعلقات شخصية لنساء لم يُكشف عن هويتهن كمفقودات في المنطقة على بُعد أمتار قليلة، تحت طبقة أخرى من التراب. حذاء أحمر، وحقيبة يد محذوفة الأحرف الأولى، وبقايا صور فوتوغرافية. فهل كان اكتشاف ماريانا جزءًا من مخطط أكبر؟
تصاعدت التوترات في كامبيناس. ما كان يُعتبر مأساةً معزولةً تحوّل إلى احتمال وجود سرٍّ أشدّ قتامة.
تتبع المحققون خيوطًا قادتهم إلى عمال سابقين في المزرعة التي نشأت فيها ماريانا. من بينهم رجل ذو تاريخ عنف، اختفى، مصادفةً، من المدينة بعد يوم الزفاف بفترة وجيزة. بدأ اسمه يظهر في الملفات كظلٍّ كان حاضرًا دائمًا ولكنه مُتجاهَل.
انهار والدا ماريانا، بعد علمهما بالاكتشاف، حزنًا شديدًا. امتزج عزاء معرفة الحقيقة بألمها الشديد. أما رافائيل، فقد قرر متابعة التحقيق خطوة بخطوة. لم يكن يطيقُ أن تُختزل قصة المرأة التي أحبها إلى مجرد قضية مُهمَلة.
تلا ذلك سلسلة من التقلبات غير المتوقعة. شهادات متناقضة، ووثائق مفقودة، ودلائل بدت وكأنها تقود إلى شبكة أوسع من حالات الاختفاء في المنطقة. وكلما تعمق التحقيق، اتضح أن ماريانا لم تكن الضحية الوحيدة.
في الليل، امتلأت كامبيناس بالشائعات. ادعى البعض رؤية أضواء غريبة في الغابة خلال تلك السنوات، بينما زعم آخرون سماع صراخ مكتوم من بعيد. أصبح اكتشاف فستان الزفاف رمزًا للظلم، وأصبحت قصة ماريانا صدىً يتردد في كل ركن من أركان المدينة.
بدأت الصحافة بالضغط، وطالبت عائلات المفقودات الأخريات بإيضاحات، وكثّفت الشرطة، المحاصرة، جهودها. لكن مع كل خطوة، بدت متاهة أكثر تعقيدًا تنفتح، حيث تختلط الخيوط ويختفي الجناة كالظلال.
الشيء الوحيد الواضح هو أن ماريانا لم تهرب قط. ورغم العثور على جثتها، ظل المسؤول الحقيقي عن مأساتها حرًا، مختبئًا بين الناس، ربما يسير في نفس الشوارع التي حلمت فيها يومًا بالسعادة.
آخر صورة يتذكرها الجميع هي ذلك الثوب الأبيض الملطخ، الذي رفعته أيدي الضباط وسط الغابة. ثوبٌ أشرق يومًا ما تحت أضواء الأمل، وأصبح، بعد ثلاثة عشر عامًا، شاهدًا صامتًا على سرٍّ ما زال ينادي بالعدالة.