لطالما كانت جبال مونتانا ملاذًا للباحثين عن الهدوء والعزلة والإجابة على أسئلتهم. إميلي كارتر، عالمة أحياء شابة شغوفة بالطبيعة، عرفتها أكثر من أي شخص آخر. دارت حياتها حول الدروب والغابات وأسرار الحياة البرية. في ربيع عام ٢٠١٤، قررت الشروع في رحلة استكشافية منفردة، رحلة استكشافية لمدة عشرة أيام، كان من المفترض أن تنتهي بعودتها إلى بوزمان، حيث ستكون والدتها في انتظارها مع عشاء جاهز. لكن إميلي لم تعد أبدًا.

كانت الساعات الأولى مُقلقة. أما الأيام التالية فكانت مُرهقة. ثم جاءت الشهور، والشتاءات، والذكرى السنوية الفارغة. لم تفقد والدتها الأمل قط، رغم أن فرق الإنقاذ كانت قد استسلمت بالفعل. لم يكن هناك أي أثر. لا آثار أقدام، ولا ملابس، ولا علامات صراع. فقط حقيبة ظهرها، التي عُثر عليها بجانب جدول متجمد، ودفترها مفتوح حتى الصفحة الأخيرة. كُتب عليه: “هناك شيء لا ينبغي أن يكون هنا”.
بعد عقد من الزمان، في عام ٢٠٢٤، اكتشفت مجموعة من متسلقي الجبال شقًا في الجليد، كهفًا غير مُعلّم على الخرائط. كان الهواء في الداخل كثيفًا وساكنًا، تفوح منه رائحة زكية. وبينما كانوا يتقدمون، أضاءت مصابيحهم اليدوية تمثالًا على مذبح حجري: جسد مغطى بالكامل بشمع العسل، كتمثال حيّ عالق في الكهرمان . أكد المسعفون ما لا يُصدّق: كان الوجه هو وجه إميلي كارتر.
صدم هذا الاكتشاف الأمة. كيف وصل جثمانها إلى هناك سليمًا، وكأن الزمن قد توقف؟ من وضعه على ذلك المذبح؟ استُدعي علماء لتحليل الشمع. أشار التقرير الأولي إلى أنه شمع خالص، دون أي تدخل صناعي، ولكنه مُشبّع بمركبات عضوية غير مألوفة لم تُسجَّل من قبل. ووفقًا للباحثين، كانت درجة حرارة الموقع ستسمح بحفظ الجثمان لسنوات… لكن هذا لا يُفسّر العلامات الطقسية المحفورة على الحجر.
أبلغ رجال الإنقاذ عن أمرٍ أكثر إزعاجًا: داخل الكهف، كان يُسمع طنينٌ خافتٌ مستمر، كما لو أن آلاف النحل كانت حيةً تختبئ في شقوق الجليد. مع ذلك، لم يُعثر على أي أثرٍ لخلايا النحل. أكدت أجهزة الصوت الاهتزاز، لكنها لم تُحدد مصدره. ظنّ البعض أنه صادرٌ عن الريح، بينما ظنّ آخرون أنه شيءٌ أعمق، كما لو أن الجليد نفسه يتنفس.
بدأت النظريات تتكاثر. ذكر باحثون محليون أساطير أصلية قديمة عن حراس الشتاء ، وهم أرواحٌ حموا أسرار الجبال وعاقبوا من ينتهك حرماتها. ووفقًا للقصص، فإن من اختفوا “حُفظوا” بواسطة النحل من البرد، حراسٌ حوّلوا أجسادهم إلى شمع لإبقاء أرواحهم حبيسة.
في مختبر الطب الشرعي، كشف تحليل الجثة أن إميلي توفيت بعد أيام قليلة من اختفائها. لكن جلدها لم يُظهر أي علامات تحلل؛ بل على العكس، بدا وكأنه مُغطى بطبقة تلو الأخرى بشمع طبيعي. داخل رئتيها، عُثر على جزيئات مجهرية من عسل مُبلور. هل كان ذلك طقسًا؟ أم حادثًا مُستحيلًا؟ أم شيئًا يتجاوز الفهم البشري؟
عندما رأت والدة إميلي جثة ابنتها، لاحظت شيئًا أغفلته الشرطة: على معصمها الأيسر، كانت لا تزال ترتدي سوارًا أهدته لها، مصنوعًا من خرز خشبي. من بين الخرز قطعة جديدة: تمثال صغير منحوت على شكل نحلة. لم يستطع أحد تفسير كيفية وصوله إلى هناك.
أُغلق الموقع لأسابيع. أخذ الباحثون عينات من الجليد والشمع وبقايا رموز محفورة على الجدران. على أحدها، اكتشف اللغويون نقوشًا بلغة منقرضة، تُشبه اللغة النوردية القديمة. تقول إحدى العبارات المترجمة: “تنام حيث لا ينتهي الشتاء أبدًا”.
أطلقت الصحف المثيرة على القضية اسم “عروس النحل”. وبدأت الأفلام الوثائقية بالظهور، وامتلأت منتديات الإنترنت بنظريات المؤامرة، من الطوائف السرية إلى التجارب البيولوجية. ومع ذلك، ظلّ تفصيلٌ واحدٌ مخفيًا عن العامة: كان الحراس المشرفون على الكهف يُبلغون، كل ليلة، عن ظاهرةٍ مُقلقة. في ساعةٍ مُعينة، عندما بلغ البرد ذروته، سُمع همهمةٌ قادمة من المذبح. لم تكن أصواتًا واضحة، بل صوتًا إيقاعيًا، كما لو أن أحدهم يتنفس عبر الجليد.
ادّعى أحد الحراس أنه رأى سطح الشمع يتحرك. وأقسم أن الجثة بدت وكأنها “تتعرق” بسائل ذهبي كثيف ودافئ. أُخذ بعيدًا بسبب الصدمة النفسية ولم يتحدث عن الأمر مرة أخرى.
تحت ضغط وسائل الإعلام، استنتج العلماء أن الشمع يعمل كمادة حافظة طبيعية، لكن لم يستطع أحد تفسير عدم تصلب الجسم أو تجمده التام. وكتب أحد الباحثين في تقرير سري سُرب بعد أشهر: “يبدو الأمر كما لو أنه يواصل إنتاج حرارة داخلية”.
أُغلق الكهف في النهاية، لكن لم يُدمَّر. الدخول ممنوع، مع أن السكان المحليين يدّعون أن بعض الباحثين الأجانب عادوا ليلًا حاملين صناديق وفوانيس. لا أحد يعلم ما الذي يبحثون عنه، ولا ما يخشون العثور عليه.
بعد عشر سنوات من اختفائها، أصبحت إميلي كارتر رمزًا لما لا يُفسَّر. تتأرجح قصتها بين العلم والخرافة، بين المنطق والرعب. لا يزال الكثيرون يتذكرون ابتسامتها في تلك الصورة الأخيرة، تحت الثلج، وأشعة الشمس تُنير وجهها. لكن قليلين يعرفون أنها رسمت نحلة صغيرة في الصفحة الأخيرة من دفتر ملاحظاتها، بجوار عبارة “هناك شيء لا ينبغي أن يكون هنا”.
لا يزال اللغز قائمًا. ويزعم متسلقو الجبال الذين ما زالوا يغامرون بدخول تلك المنطقة أنه عندما تهب الرياح من الشمال، يُسمع طنين خافت ينبعث من الجليد… كما لو أن النحل لا يزال هناك، يراقب شخصًا لم يرغب يومًا في الاستيقاظ.