في أعماق جبال الأبالاش بولاية فرجينيا الغربية، حيث يغطي الضباب الغابات الكثيفة ويخترق الصمت كل شيء، تروى حتى اليوم قصة ثلاث توائم ولدن عام 1836، وكنّ شريرات إلى درجة أن كتب التاريخ الأمريكية رفضت تسجيلهن رسمياً: إيسي وبيسي وديسي أشبورن.

وُلدن في ليلة الانقلاب الشتوي الأطول في العام، ومنذ اللحظة الأولى كان هناك شيء غير طبيعي. القابلة مارسيلا ويسلي التي ولّدتهن قالت إنهن لم يبكين ولو لمرة واحدة، فتحجّرت عيناها خوفاً وهي ترى ثلاث رضّع يحدّقن بها بصمت مطبق وعيون سوداء لا تعكس ضوءاً. أعطتهن أمهما هيلينا أسماء متقاربة: إيسي، بيسي، وديسي (اختصاراً لـ«ديسيسي» أي «الموتية»).
نشأ الثلاثة في كوخ خشبي معزول في وادٍ يُعرف باسم «برامبل هولر». كانوا يتحركون معاً، يأكلون معاً، يتنفسون معاً، كأن روحاً واحدة تسكن ثلاثة أجساد. لم يضحكوا يوماً، ولم يتكلموا إلا نادراً، وبكلمات قليلة جداً تخرج كهمسة بينهن فقط. سرعان ما بدأت الأمور الغريبة:
– اختفت الدجاج أولاً، ثم الأبقار والخيول، وتُعثر عليها ميتة تماماً من دون قطرة دم في أجسادها.
– كلاب الحراسة كانت تهرب مذعورة وترفض العودة إلى محيط الكوخ.
– الأطفال الذين اقتربوا من التوائم أصيبوا بحمى غريبة، ثم عادوا صامتين تماماً، وعلى أكتافهم علامة دائرتين متداخلتين تماماً كعلامات الولادة التي تحملها التوائم الثلاث.

بحلول عامهن الخامس عشر، جفّت أرض عائلة أشبورن تماماً، وتحول الماء في البئر إلى طعم مرّ يشبه الدم. بدأ الأب مورتيمر يغرق في الويسكي، وشاخت الأم هيلينا عشرين عاماً في سنتين فقط، حتى صارت تبدو كجدة في الأربعين من عمرها.
في ليلة عيد ميلادهن الثامن عشر، في ديسمبر البارد من عام 1854، حدث ما كان الجميع يخشاه. اكتشف المزارع فينياس كولدبروك ثوره الضخم «سيزار» ميتاً وجثته خالية من الدم. في اليوم التالي، بدأ الأطفال الموسومون يتجمعون كل مساء عند حافة الغابة، واقفين بلا حراك، يحدّقون في الظلام كأنهم ينتظرون أمراً.
استدعى الأهالي الطبيب إدموند فيرفاكس من خارج الوادي، لكنه لم يستطع تفسير ما يجري سوى بكلمة واحدة: «تلاعب نفسي». لم يصدّقه أحد. في 24 نوفمبر، تجمع عشرون رجلاً مسلحين ببنادق ومشاعل، وقرروا اقتحام كوخ أشبورن.
ما حدث داخل الكوخ لا يزال يُروى بصوت خافت حتى اليوم. فتحت التوائم الباب بهدوء غريب، ورحّبن بالرجال كأنهم ضيوف منتظرون منذ زمن. ثم بدأن يغنين لحناً قديماً لا يشبه أي لغة بشرية. تجمد الرجال في أماكنهم، تساقطت بنادقهم من أيديهم، ولم يستطع أحد الحركة. قالت إيسي بصوت واحد مع أختيها: «الآن حان وقت الحصاد».
في الثالث من ديسمبر، عند منتصف الليل، خرجت التوائم من الكوخ وقد تغيّر شكلهن تماماً: أجسادهن طالّت، عيونهن صارت سوداء بلا بؤبؤ، ومن أفواههن انبعث ضباب أسود. بدأت ظلال الأطفال الموسومين تنفصل عن أجسادهم كأنها تُسحب بالقوة، ثم تتدفق نحو التوائم كأرواح تُجمع في وعاء واحد. صرخ الأهالي، لكن الصوت لم يخرج من حناجرهم.

في الصباح، وُجد الكوخ فارغاً. اختفى الأطفال الموسومون تماماً، ولم يبقَ من التوائم أثر سوى ثلاثة توابيت صغيرة موضوعة جنباً إلى جنب في الفناء، لكنها كانت فارغة أيضاً. هرب الناجون من برامبل هولر وتركوا كل شيء خلفهم. ظل الوادي مهجوراً لسبعين سنة كاملة، وكل من حاول العودة إليه إما اختفى أو عاد مجنوناً.
حتى اليوم، يرفض حراس الغابات الوطنية المرور بمفردهم من تلك المنطقة. يقولون إنهم يسمعون أحياناً ثلاث فتيات يغنين نفس اللحن القديم، ويرون ظلال أطفال يقفون عند حافة الأشجار يحدّقون بصمت مطبق. يُمنع تسلق الجبال هناك ليلاً، وتوضع لافتات تحذيرية تقول: «لا تقترب إذا سمعت صمتاً غير طبيعي».
قصة إيسي وبيسي وديسي أشبورن ليست مجرد أسطورة أبالاشية عابرة، بل تحذير محفور في ذاكرة الجبال: عندما يصمت الأطفال فجأة، وعندما يبدأ الحيوان بالهروب من مكان معين، وعندما تجف الأرض من دون سبب، فهذا يعني أن «الحصاد» قد اقترب مرة أخرى.
فإذا سمعت يوماً عن ثلاث فتيات متشابهات تماماً يمشين في الغابة بصمت، لا تنظر إلى الوراء… فقط اركض. لأن التوائم الثلاث في جبال الأبالاش لا يزلن جائعات، وسبعون عاماً بالنسبة لهن مجرد غفوة قصيرة قبل الاستيقاظ التالي.