تبدو هذه الصورة الشخصية لعام 1903 عادية تماماً ــ إلى أن تقوم بتكبير يد العروس وتكتشف سرّاً مظلماً.

في أحد الأيام الهادئة داخل أرشيف جمعية هارتفورد التاريخية، عثرت المؤرخة المتخصصة في التصوير الفوتوغرافي الدكتورة سارة ميتشل على إطار خشبي مزخرف يحتوي على صورة زفاف مؤرخة عام 1903. في الوهلة الأولى، بدت الصورة عادية تماماً: عريس جاد الوجه يرتدي بدلة سوداء تقليدية، وعروس في ثوب أبيض طويل بتصميم فيكتوري معقد، وكلاهما يقف بوقار صارم يتناسب مع عادات التصوير في تلك الحقبة. لكن شيئاً ما جعل سارة تشعر بعدم الارتياح.

عندما سلطت ضوء الشمس المباشر على الصورة، لاحظت شيئاً غريباً: العروس تبتسم! ليست ابتسامة خفيفة بالكاد تُرى، بل ابتسامة واضحة تعكس فرحاً حقيقياً أو سراً دفيناً. في عام 1903، كان الابتسام في الصور الفوتوغرافية أمراً نادراً جداً بسبب أوقات التعريض الطويلة التي كانت تتطلب من الأشخاص البقاء ساكنين تماماً لعدة ثوانٍ، وأي حركة صغيرة كفيلة بتشويه الصورة. لذا كان الجميع يحافظون على تعبير جاد ومحايد. فلماذا ابتسمت العروس وحدها؟

بدأت سارة تحقيقاً دقيقاً. على ظهر الصورة كُتب بخط يدوي أنيق: “توماس وإليزابيث – 15 يونيو 1903”. لكن بحثها في السجلات الرسمية للزواج في ولاية كونيتيكت لم يكشف أي إعلان أو تسجيل لهذا الزوج. كأن الزفاف لم يحدث أصلاً. توجهت إلى مكتبة المدينة وسألت السيدة بيترسون، أمينة المكتبة المخضرمة، التي نصحتها بمراجعة سجلات الكنائس لأن كثيراً من الزيجات الصغيرة لم تُنشر في الصحف.

في كنيسة الثالوث الأسقفية، لم تجد سارة أي أثر لزواج توماس وإليزابيث في التاريخ المذكور. لكنها لاحظت أن هناك زواجاً مسجلاً باسم “إليزابيث هايز” قبل يومين فقط من تاريخ الصورة. ثم عادت إلى الصورة نفسها، وفي لحظة شجاعة، فكت الإطار القديم بعناية. خلف الورق المقوى، وجدت ورقة صغيرة مطوية بعناية مكتوب عليها بخط أنثوي رقيق:  
“عزيزي توماس، بحلول الوقت الذي تقرأ فيه هذا، سأكون قد ابتعدت عن هارتفورد إلى الأبد”.

كانت الرسالة مجرد بداية. باستخدام عدسة مكبرة، ركزت سارة على يد العروس. كانت أصابعها موضوعة بطريقة غير طبيعية، وكأنها تشكل إشارة معينة. بعد بحث في لغة الإشارات الفيكتورية السرية – المعروفة باسم “تلغراف الأصابع” التي كانت النساء يستخددنها للتواصل دون أن يلاحظ الرجال – اكتشفت سارة أن وضعية أصابع إليزابيث تعني بالضبط: “ساعدوني” أو “هذا ليس ما يبدو عليه”.

تحولت الصورة فجأة من مجرد ذكرى زفاف إلى صرخة استغاثة صامتة. بدأت سارة تبحث في تقارير المفقودين لصيف 1903، فوجدت بلاغاً مقدم من شقيقة إليزابيث هايز بتاريخ 20 يوليو يفيد باختفائها المفاجئ بعد سلوك غريب في الأسابيع السابقة. وفي الوقت نفسه، اكتشفت أن العريس توماس ميلر لم يكن مجرد رجل عادي، بل محقق خاص كان يحقق في قضية اختلاس كبيرة في بنك هارتفورد الوطني.

تدريجياً اتضحت الصورة المرعبة: إليزابيث كانت موظفة في البنك نفسه، وكانت تملك مفاتيح ووثائق يمكن أن تفضح عمليات توماس الاحتيالية. يبدو أن توماس أجبرها على الزواج السريع ليجعلها توقّع أوراقاً تُشرّع معاملاته غير القانونية، ثم خطط للتخلص منها بعد ذلك. لكن إليزابيث – بذكاء شديد – استغلت جلسة التصوير الوحيدة التي سُمح لها بها لترسل رسالتين في الوقت نفسه: ابتسامة واثقة لتضليل توماس، وإشارة سرية لمن سيأتي بعد سنوات ويفهم.

في سبتمبر 1903، عُثر على توماس ميلر ميتاً في ظروف مريبة، واختفت إليزابيث تماماً. لم يُعثر على جثتها أبداً، لكن الأدلة تشير إلى أنها ربما تمكنت من الهرب في اللحظة الأخيرة، أو أن أحداً ساعدها بعد أن لاحظ إشارتها.

سارة ميتشل، بعد أشهر من البحث، أعدت تقريراً شاملاً وتواصلت مع صحيفة “هارتفورد كورانت” التي نشرت القصة كاملة تحت عنوان “الابتسامة التي أنقذت حياة”. كما تمكنت من الوصول إلى باتریشيا هايز، حفيدة أخت إليزابيث، التي بكت أمام الصورة عندما عرفت قصة بطولة جدتها الكبيرة.

اليوم، تُعرض الصورة في متحف تاريخ هارتفورد مع لوحة تروي القصة الكاملة، وأصبحت رمزاً لشجاعة المرأة في عصر كان فيه صوتها مكتوماً. كل زائر يقف أمامها يُذكّر بأن بعض الصور لا تحكي مجرد لحظة سعيدة، بل قد تكون الوسيلة الوحيدة التي اختارتها امرأة ذكية لتنقذ حياتها وتترك رسالة للأجيال القادمة: “انظروا جيداً… فأنا لست سعيدة، أنا أطلب النجدة”.

Related Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *