في عام 1912، كشف الشريف توماس كومبتون في مقاطعة وايز بولاية فرجينيا الأمريكية سرّاً عائلياً مريعاً ظل مخفياً لأكثر من عقد من الزمن. عائلة غوينز، التي كانت تعيش في عزلة تامة على قمة تلة نائية تُعرف باسم “غوينز ريدج”، خبأت تحت ستار التقوى الدينية ممارسات بشعة تجاوزت كل حدود الإنسانية.

إليزا غوينز، الأرملة التي فقدت زوجها صموئيل في حادث منجم فحم عام 1878، تحولت تدريجياً إلى شخصية متعصبة دينياً. بعد وفاة زوجها، انعزلت تماماً عن المجتمع المحلي، وأنشأت عالماً خاصاً بها وبأبنائها الثلاثة: كاليب، وجوسايا، وبنيامين. مع مرور السنين، غرست في عقول أبنائها فكرة مرضية مفادها أن دماء عائلتهم “مختارة من الله”، وأن الحفاظ على نقاء هذا الدم يتطلب زواجاً داخلياً… بل وأقنعتهم بأن عليهم أن يتزوجوها هي شخصياً، أمهم البيولوجية.

استمر هذا الواقع المروع في الخفاء لسنوات طويلة، حتى بدأت تظهر بوادر الشك. منذ خريف عام 1898، بدأ رجال يختفون دون أثر في المنطقة المحيطة بممتلكات عائلة غوينز. أول الضحايا كان مارتن هايز، مهندس جيولوجي جاء لمسح المنطقة، ثم تبعه أربعة آخرون حتى عام 1908، وأخيراً البائع المتجول إدموند بيرس في أبريل 1912. كل هؤلاء الرجال شوهدوا آخر مرة بالقرب من طريق الجبل المؤدي إلى مزرعة غوينز.

الشريف توماس كومبتون، الذي كان يتابع هذه القضايا منذ سنوات، شعر أن هناك نمطاً لا يمكن تفسيره بالصدفة. لكن المجتمع المحلي، رغم علمه بغرابة عائلة غوينز، التزم الصمت المطبق. كان الجميع يتحدثون عن “الغرابة” وعن “الابتعاد عن تلك التلة”، لكن لا أحد كان مستعداً للإبلاغ أو الشهادة.
الانفراجة جاءت من ساعي بريد شاب يُدعى توماس برينان. أخبر الشريف أنه رأى أحد أبناء غوينز يرتدي قبعة بنية مميزة جداً… نفس القبعة التي كان يرتديها إدموند بيرس قبل اختفائه. هذه الشهادة كانت كافية ليحصل كومبتون على إذن تفتيش.
في 15 يونيو 1912، اقتحم الشريف ونوابه مزرعة غوينز. واجههم الأخوان الثلاثة في حالة توتر شديد، بينما خرجت إليزا بهدوء غريب وأنكرت معرفتها بأي مفقودين. لكن البحث لم يستغرق سوى دقائق حتى عثر النواب على قبر ضحل خلف بيت المدخنة. كان فيه جثة إدموند بيرس نفسه.
داخل الكوخ، عثر المحققون على صندوق مغلق يحتوي على مقتنيات شخصية لعدة مفقودين: ساعة جيب فضية، نظارات سلكية، محافظ… كلها دلائل دامغة. لكن أبشع اكتشاف كان في بيت المدخنة نفسه: هياكل عظمية لطفلين رضيعين ملفوفة بقماش متعفن. هؤلاء الأطفال كانوا ثمرة العلاقات المحرمة بين إليزا وأبنائها.
عندما واجهها الشريف بالجثث، ردت إليزا بهدوء مرعب: “هؤلاء الأطفال مباركون. هم جزء من مشيئة الله. كل ما فعلته كان لأجل نقاء الدم المقدس”.
تم القبض على إليزا وأبنائها الثلاثة. المحاكمة التي تلت ذلك كانت حدثاً إعلامياً ضخماً جذب الصحفيين من كل أنحاء المنطقة. كاليب وجوسايا رفضا الشهادة ضد أمهما حتى النهاية، مؤكدين أنهما فعلا كل شيء “بمحض إرادتهما” وبأمر إلهي. الأدلة المادية، إضافة إلى اعتراف إليزا الجزئي بأيديولوجيتها المنحرفة، جعلت القضية محسومة.
بعد مداولات لم تتجاوز ثلاث ساعات، حُكم على الأخوين كاليب وجوسايا بالإعدام شنقاً بتهمة القتل العمد. أما بنيامين فقد توفي في السجن قبل تنفيذ الحكم. واعتُبرت إليزا غوينز “مجنونة جنائياً” وأُدخلت مصحة عقلية حيث قضت بقية حياتها.
بقي كوخ غوينز فارغاً لسنوات، رمزاً للرعب الذي شهدته المنطقة. في عام 1924، قرر الأهالي حرقه بالكامل في محاولة لتطهير المكان. اليوم، المنطقة مغطاة بالأعشاب البرية، لكن الأسطورة المحلية لا تزال تتحدث عن “تلة الأرواح المفقودة”، وعن أصوات أطفال رضع تُسمع أحياناً في الليالي الهادئة.
هذه القضية المروعة تُعد من أبشع قصص الجرائم الأمريكية في أوائل القرن العشرين، وتُروى حتى اليوم كتحذير من مخاطر العزلة المطلقة، ومن قوة الأفكار المتطرفة عندما تُزرع في عقول معزولة عن العالم. كما أدت إلى تغييرات جوهرية في طريقة تعامل ولاية فرجينيا مع تقارير المفقودين، وشددت على أهمية يقظة المجتمع المحلي.
قصة عائلة غوينز تذكرنا دائماً أن الشر قد لا يأتي من الغرباء دائماً، بل قد يختبئ خلف أبواب البيوت المغلقة، وأن الصمت الجماعي قد يكون أحياناً شريكاً في الجريمة.