في قلب منطقة «لو كانتري» بولاية كارولاينا الجنوبية الأمريكية، انفجرت في عام 1843 فضيحة هزّت المجتمع المحلي، ثم طُمرت تفاصيلها لعقود طويلة، حتى كادت تُنسى تماماً.

في صباح يوم 12 أغسطس من ذلك العام، انطلقت صرخة مدوّية من كاثرين هارغروف داخل قصر مزرعة «ويلوبروك» الضخمة، فاكتشفت في غرفة زوجها الخاصة خيانة لم تكن تتخيلها امرأة جنوبية في أسوأ كوابيسها. ما رأته لم يكن مجرد علاقة عابرية عادية، بل مشهداً جماعياً بين زوجها إدموند هارغروف، مالك المزرعة الثري، وثلاثة من عبيده الشباب: ماركوس وسامويل ودانيال.

خلال ثلاث سنوات كاملة، كان إدموند (35 عاماً)، الذي يُنظر إليه كسيّد جنوبي نبيل ورحيم نسبياً مع عبيده، يمارس علاقات جنسية سرية مع هؤلاء الرجال الثلاثة في غرفة مخفية في الجناح الشرقي من القصر. كان ماركوس خادمه الشخصي، وسامويل يعمل في الإسطبلات، ودانيال نجاراً ماهراً ذا ملامح رقيقة وهادئة.
كاثرين، الجميلة المتعلمة التي تزوجت إدموند زواجاً مدبراً عام 1837، كانت تعاني منذ ست سنوات من عدم الإنجاب، فازدادت الهمسات والشماتة في المجتمع الجنوبي الذي يقيس قيمة المرأة بعدد أبنائها الذكور. لم تكن تعلم أن سبب عقم زوجها ليس طبياً، بل لأن رغبته الحقيقية كانت موجهة نحو الرجال.
في ليلة 11 أغسطس، قررت كاثرين أن تكشف اللغز بنفسها. تتبعت زوجها في الظلام حتى الجناح الشرقي، وما إن نظرت من ثقب الباب حتى انهار عالمها: إدموند عارٍ تماماً بين ذراعي عبيده الثلاثة في مشهد جنسي صريح ومتعدد الأطراف. لم تصرخ، لم تبكِ، بل عادت إلى غرفتها بقلب من جليد وكتبت ثلاث رسائل نارية: واحدة لحماتها، وأخرى لللشريف تشارلز دونور، والثالثة لإدموند نفسه، وصفّت فيها المشهد بكل تفاصيله المقززة.
في الفجر، وجد إدموند الرسالة وأدرك أن حياته انتهت. هرع الشريف إلى المزرعة، وروت له كاثرين كل شيء بهدوء مخيف، ثم طلبت اعتقال زوجها مع العبيد الثلاثة بتهمة «اللواط» وهي جريمة كبرى يعاقب عليها القانون في تلك الفترة بالإعدام أو بالجلد العلني المذل.
انتشر الخبر كالنار في الهشيم في مدينة بوفورد الصغيرة. وفي 18 أغسطس بدأت المحاكمة التي حضرها المئات من الفضوليين والغاضبين. كانت شهادة كاثرين قاطعة، ولم يستطع محامي إدموند الدفاع عنه. حُكم على إدموند بثلاثة أيام في المقصلة العمومية (الـ pillory) في ساحة المدينة، يقف فيها مقيّداً ورأسه ويداه داخل الخشب بينما يرميه الناس بالطماطم الفاسدة والبصاق والشتائم، ثم 39 جلدة علنية بالسياط.
أما ماركوس وسامويل ودانيال، فحُكم عليهم بالإعدام شنقاً، واشترطت كاثرين أن يُجبر إدموند على مشاهدة إعدام عشّاقه بنفسه في اليوم الثالث.
في اليوم المحكوم عليه، تجمع أكثر من 300 شخص في ساحة بوفورد. كان إدموند بعد يومين من الإذلال العلني بالكاد يقف على قدميه، وجهه منتفخ وملطخ بالدم والقذارة. رأى بعينيه المكسورة كيف رُفع الحبل حول رقاب الشبان الثلاثة، وسمع صرخاتهم الأخيرة، ثم شاهد أجسادهم وهي تتأرجح في الهواء. في تلك اللحظة، انهار تماماً، ويقال إنه لم ينطق بكلمة واحدة لبقية حياته.
أُطلق سراحه بعد انتهاء العقوبة، لكنه أصبح شبحاً يتجول في شوارع بوفورد. انتقلت كاثرين إلى تشارلستون، مطلقة وثرية، وبدأت حياة جديدة بعيداً عن الفضيحة. أما مزرعة ويلو بروك فبيعت، واختفى اسم عائلة هارغروف تدريجياً من سجلات المنطقة.
ظلت القصة مدفونة لأكثر من 170 عاماً، حتى عثر باحثون تاريخيون في عام 2015 على سجلات المحكمة المخفية وقرروا وضع لوحة تذكارية في موقع الساحة القديمة تخليداً لذكرى ماركوس وسامويل ودانيال، وإدانة للظلم الذي تعرضوا له كضحايا مزدوجين: للعبودية وللكراهية الجنسية.

تبقى قصة كاثرين وإدموند هارغروف واحدة من أكثر القصص قتامة في تاريخ الجنوب الأمريكي قبل الحرب الأهلية، تُظهر كيف يمكن للكراهية والرغبة في الانتقام أن تتحول إلى أداة دمار شامل، وكيف كانت المثلية الجنسية في تلك الحقبة تُعامل كجريمة أفظع من القتل نفسه.
اليوم، عندما نمر بجوار الأشجار المغطاة بالطحالب الإسبانية في لو كانتري، لا نزال نشعر أحياناً بأرواح الشبان الثلاثة تتأرجح في الهواء، وبصوت جلدات السياط التي مزقت جسد سيدهم وكرامته إلى الأبد.
هل كانت كاثرين بطلة ثأرت لكرامتها، أم امرأة قاسية استغلت نظاماً عنصرياً وبشعاً للانتقام الشخصي؟ وماذا عن إدموند؟ هل كان ضحية ميوله التي لم يخترها، أم مجرماً استغل سلطته على عبيده بطريقة بشعة؟
الإجابة ليست سهلة، لكن القصة الحقيقية لمزرعة ويلو بروك تذكّرنا دائماً بأن التاريخ لا يحتوي فقط على أبطال وأشرار، بل على بشر يغرقون في وحل مجتمع مريض يدفعهم إلى أفعال لا تُغتفر.